تواجه مصر حاليًا عجزًا مائيًا يقدر بحوالي 13.5 مليار متر مكعب سنويًا، والذي يتوقع تفاقمه مستقبلًا بفعل العديد من العوامل. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن ذلك العجز المائي سيتضاعف بحلول عام 2025 ليبلغ 26 مليار متر مكعب سنويًا. الأمر الذي ستكون له العديد من العواقب بالغة الأثر على الاقتصاد والتنمية في مصر. وهنا يأتي دور البحث العلمي لإيجاد حلول تواجه ذلك العجز المائي المتفاقم، لذا يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة إدارة الموارد المائية بشكل مستدام كأحد أولوياته لدعم البحث العلمي والابتكار في مصر.
بتمويل يبلغ قدره 50 مليون جنيه إسترليني، يسعى صندوق نيوتن-مشرفة إلى دعم البحث العلمي في مصر من خلال بناء الشراكات بين المؤسسات البحثية المصرية ونظيرتها بالمملكة المتحدة. حيث يوفر الصندوق الفرصة لبناء القدرات والمهارات، وتعزيز التعاون البحثي بين البلدين، ونقل الابتكار والمعارف والخبرات.
نتناول فيما يلي ثلاث قصص ملهمة لباحثين وباحثات مصريين يسعون لمواجهة تفاقم العجز المائي على أصعدة مختلفة. وذلك من خلال استخدام الطاقة المتجددة في تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف بواسطة البكتريا، وتطوير أنظمة معالجة وتحلية لحماية المياه الجوفية.
تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة
يبلغ نصيب الفرد الواحد من المياه في مصر حوالي 570 متر مكعب سنويًا، الأمر الذي يضع مصر بقائمة الدول التي تعاني من ندرة المياه. ومع تفاقم العجز المائي يتوقع انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، لتصبح مصر بذلك تعاني من ندرة المياه الشديدة. تعد تحلية مياه البحر إحدى الحلول التي يعول عليها لمجابهة هذا العجز المائي، برغم أنها تتطلب كميات هائلة من الطاقة عادةً ما تأتي من الوقود الأحفوري الملوث للبيئة. استخدام طاقة متجددة نظيفة لتحلية مياه البحر هو ما يسعى إلى تحقيقه محمد عبد الفتاح، الباحث بمركز بحوث الصحراء المصري من خلال مشروع بحثي مشترك مع جامعة ستراثكلايد البريطانية.
يستهدف هذا المشروع تطوير منصة غير تقليدية لتحلية مياه البحر. فتلك المنصة الجديدة ستكون عائمة على مسطح مائي، كما أنها متنقلة يمكن استخدامها في عدة أماكن بسهولة. بالإضافة إلى ذلك فإنها تستخدم كلا من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحلية مياه البحر بواسطة عملية الأسموزية العكسية. وبذلك يمكن لتلك المنصة توفير مياه شرب نظيفة بالمناطق الساحلية.
'لقد تمكنا بالفعل من إنشاء نموذج أولي لمنصة لتحلية المياه باستخدام طاقة الشمس والرياح المتجددتين. يوفر ذلك النموذج الأولي 6 أمتار مكعبة من الماء يوميًا، والذي يكفي حوالي 1200 شخص. ونقوم حاليا بتصميم محطة تحلية مياه من المقدر أن تبلغ قدرتها 10000 متر مكعب يوميًا، وبذلك يمكن توفير مياه الشرب النظيفة لحوالي 67000 شخص' كما يوضح عبد الفتاح.
بالإضافة إلى توفير مياه شرب نظيفة، يمكن لتلك المنصة مجابهة مشكلات أخرى. فمعظم المناطق الساحلية بمصر لا تتوفر بها أراض كافية لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر، بجانب التكلفة المرتفعة لبناء وتشغيل تلك المحطات. وحيث أن منصة تحلية المياه التي تم تطويرها عائمة ومتنقلة فإنها تمثل حلًا للعجز بالأراضي المتاحة، وفي الوقت ذاته فإن اعتمادها على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتجددتين يخفض من تكاليف التشغيل. وبذلك تصبح منصة تحليه مياه البحر تلك حلًا فريدًا من نوعه يوائم الاحتياجات والظروف التي تواجه مصر.
معالجة مياه الصرف باستخدام البكتريا
تعد معالجة المياه المستعملة أو مياه الصرف إحدى التدابير المتبعة لمجابهة العجز المائي. حيث تتم معالجة تلك المياه كي تصبح نظيفة -لكنها تظل غير صالحة للشرب، ومن ثم يعاد استخدامها لأغراض أخرى بخلاف الشرب. وبذلك يقل الطلب على الموارد المائية القليلة المتاحة من المياه النظيفة الصالحة للشرب ليتم توجيهها لتوفير المياه للأفراد. لذا فإن هناك حاجة ماسة لتطوير تقنيات فعالة وقليلة التكلفة لمعالجة المياه بغرض إعادة استخدامها. معالجة مياه الصرف باستخدام البكتريا هو الحل الذي تعمل عليه علا جمعة، أستاذة التقنية الحيوية الميكروبية بهيئة الطاقة الذرية المصرية من خلال شراكة بحثية مع جامعة ويستمنستر البريطانية.
يهدف هذا المشروع البحثي إلى استغلال البكتريا في معالجة المياه المستعملة، وذلك من خلال الاعتماد على تقنية خلايا الوقود الميكروبية. حيث يتم استخدام البكتيريا لتنظيف مياه الصرف، ومن ثم يمكن استعمالها مرة أخرى في أغراض زراعية كري المحاصيل أو أغراض صناعية مثل التنظيف والتبريد. وبذلك تتم إدارة الموارد المائية بشكل أفضل لمجابهة العجز المائي المتفاقم الذي تواجهه مصر.
توضح علا جمعة: 'هدفنا الرئيسي معالجة مياه الصرف لإعادة استخدامها لغير أغراض الشرب. فقد قمنا بالانتهاء من تطوير نموذج أولي يعتمد على خلايا الوقود الميكروبية لمعالجة المياه المستعملة. وبذلك يتم توفير المياه النظيفة لأغراض الشرب، وتزويد أصحاب المصانع بحل بديل لمعالجة المياه بالطرق التقليدية التي يستخدمونها.'
المشروع البحثي الممول من صندوق نيوتن-مشرفة لم يكتف بالجانب العلمي فحسب، إذ فتح أبواب الحوار والتعاون بين البحث العلمي والصناعة. حيث توضح علا جمعة أن الفريق البحثي تواصل مع مصانع النسيج بمدينة المحلة الكبرى المصرية لمناقشة المشاكل المتعلقة بمعالجة مياه الصرف الناجمة عن صناعة النسيج. الأمر الذي ساعد الفريق البحثي لدى تصميم مفاعل معالجة المياه المستعملة بحيث يلائم احتياجات صناعة النسيج المصرية.
أنظمة معالجة وتحلية لحماية المياه الجوفية
تعد المياه الجوفية واحدة من الموارد المائية التي يمكن الاعتماد عليها لمجابهة تفاقم العجز المائي. إلا أن المياه الجوفية المصرية تتدهور بشكل ملحوظ بفعل الملوثات الصناعية والملوحة والإفراط في استخراجها. لذا تعد حماية المياه الجوفية إحدى أولويات تحسين إدارة الموارد المائية في مصر. تطوير أنظمة لمعالجة وتحلية المياه الجوفية بغرض الحفاظ عليها هو ما يعمل عليه حسام الناظر، الأستاذ بالمركز القومي للبحوث المصري عبر مشروع بحثي بالتعاون مع جامعة برمنجهام البريطانية.
تستهدف تلك الشراكة البحثية المصرية-البريطانية حماية مصادر المياه الجوفية من التدهور باستخدام تقنيات حديثة قليلة التكلفة. وذلك من خلال تطوير نظام لمعالجة المياه يستهدف إزالة الملوثات شديدة السمية من المياه الجوفية باستخدام المحفزات الضوئية، بالإضافة إلى تطوير نظام لتحلية المياه الجوفية باستخدام الأسموزية العكسية. وبالاعتماد على هذين النظامين للمعالجة والتحلية يمكن استخلاص كميات كبيرة من المياه العذبة من المياه الجوفية، وبالتالي حمايتها وإدارة مصادرها بشكل أفضل.
'قام الفريق البحثي بتصميم وتطوير وحدة تجريبية لمعالجة وتحلية المياه بالمركز القومي للبحوث. حيث يمكن لتلك الوحدة التجريبية إنتاج حوالي 5 متر مكعب من المياه يوميًا. كما قمنا باختيار واحة سيوة -بالصحراء الغربية المصرية- كموقع للدراسة لتطبيق تلك الحلول المتعلقة بحماية المياه الجوفية وتوضيح الآثار الاقتصادية والبيئية لها.' كما يبين حسام الناظر.